لم يكن يتصور أن تمر الأيام بهذه السرعة مع أنه كان يتمنى أن تنتهي سريعا .. فهو ما عاد يطيق العيش في هذا البلد أكثر من هذا .. سبعة أيام فقط قضاها هنا أصيب فيها بالضيق
أحضر حقيبة السفر وأخذ يجهز أغراضه ويعد أمتعته .. تذكر أول مرة أعد فيها حقيبة السفر ناوياً الرحيل خارج البلاد وكان السبب أيضاً الضيق الذي كان يعانيه حينما تخرج من الجامعة وراح يبحث عن عمل دون جدوى
أخذ يدس أغراضه في الحقيبة وهو يحدث نفسه : يبدوا أن هذه البلاد لا تحمل لأهلها إلا الضيق والمتاعب .. تذكر أنه عندما أخذ قرار السفر كان قرار اللاعودة .. ولولا الظروف التي تضطره للعودة بين الحين والآخر للإطمئنان على والدته بعد وفاة والده .. والذي لم يعلم بوفاته إلا بعدها بأيام ولم يحضر جنازته أو يقف على دفنه .. خبأت أمه عنه خبر وفاة والده .. وأمرت الجميع ألا يخبروه حتى لا يُصدم في غربته .. بالمصادفة اتصل به أحد الزملاء ليعزيه ويواسيه وهو يحسب أنه قد علم بالخبر .. فكانت الصدمة التي حركت كل مشاعره وهزت أركانه
تنهد بقوة .. أخذ يدير النظر في أرجاء الغرفة .. كل ركن من أركان الغرفة يحمل ذكريات .. أيام إجازته يقضيها في هذا البيت الذي تربى فيه بالرغم من أنه يقع في أحد الأحياء الشعبية القديمة .. وبالرغم من أنه يملك الأن فيلا في أرقى الأحياء
مد يده ليأخذ آخر قطعة ملابس ليضعها في الحقيبة التي لم يعد بها متسع .. لفت انتباهه البوم صور قد وضع على الرف العلوي .. مد يده .. تناول البوم الصور .. نفض عنه الغبار الذي يعلوه .. يبدوا أنه هنا منذ زمن طويل .. فتحه وراح يقلب صفحاته .. أخذ شريط الذكريات يدور في مخيلته .. صوره وهو طفل يلعب مع إخوته .. صورة والده وأمه وقد التف هو وأخوته حولهما وكأنهم النجوم تناثرت يملأون حياة الوالدين بالسعادة .. صورته في حفل التخرج من الجامعة .. كم كان وسيماً !! نظر إلى وجهه في المرآة .. لاحظ أن تغيراً كبيراً قد طرأ على وجهه .. قد تركت السنوات آثارها على وجهه وأثقلته الغربة بهموما .. بالرغم من أن لديه الأن أموال تؤمن لأولاده مستقبلهم .. أدرك أن سنوات عمره تفلتت من بين يديه .. وأن الثمن الذي حصل عليه في مقابل غربته لا يساوي المقابل الذي دفعه من حياته .. سقطت دمعة صامتة على وجنتيه
في هذه اللحظة دق الباب ودخلت أمه .. حاول جاهداً أن يخفي دموعه .. لكن بعد فوات الأوان .. كانت أمه قد أتت لتنبهه بإقتراب موعد الطائرة .. ولتملأ عينيها منه وهي تحدث نفسها إن كان الزمن سيسمح لها أن تراه مرة أخرى
ربتت على كتفه بحنان .. لم يستطع ساعتها أن يتمالك مشاعره .. استلقى في حضن أمه يبكي .. اشتبكت الدموع على الخدود
رن جرس هاتفه .. أخرجه من جيبه .. كان السائق ينبهه أنه لم يتبق على موعد الطائرة إلا عشرين دقيقة .. تمهل قليلاً .. مسح الدموع عن عينيه وهو يقول للسائق : ربما سأوجل السفر قليلاً .. وبداخله نداء يتردد .. ربما سأوجله إلى الأبد
Saturday, October 18, 2008
لحظة وداع
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment